فِي خِضَمِّ عَصْرٍ يَتَسَارَعُ فِيهِ نَبْضُ التِّقْنِيَةِ وَتَتَّسِعُ فِيهِ آفَاقُ الِابْتِكَارِ، تَبْرُزُ الْمَمْلَكَةُ الْعَرَبِيَّةُ السُّعُودِيَّةُ كَأُنْمُوذَجٍ مُلْهِمٍ فِي تَبَنِّي التَّحَوُّلِ الرَّقْمِيِّ، حَيْثُ بَاتَ هٰذَا التَّحَوُّلُ لَا يُعَدُّ خِيَارًا، بَلْ ضَرُورَةً وُجُودِيَّةً لِنَجَاحِ أَيِّ مُنْشَأَةٍ تَسْعَى لِلِاسْتِمْرَارِيَّةِ وَالْمُنَافَسَةِ فِي السُّوقِ الْمُعَاصِرِ.
إِنَّ رُؤْيَةَ الْمَمْلَكَةِ ٢٠٣٠ لَمْ تَكُنْ مُجَرَّدَ خُطَّةِ إِصْلَاحٍ، بَلْ كَانَتْ نَقْلَةً نَوْعِيَّةً نَحْوَ اقْتِصَادٍ رَقْمِيٍّ مُتَكَامِلٍ، يَسْتَنِدُ إِلَى التِّكْنُولُوجْيَا كَرَكِيزَةٍ لِلنُّمُوِّ، وَيُمْنَحُ الشَّرِكَاتِ فِي الْقِطَاعَيْنِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ فُرَصًا غَيْرَ مَسْبُوقَةٍ لِإِعَادَةِ تَعْرِيفِ أَعْمَالِهَا.
فَكَيْفَ تُوَاكِبُ شَرِكَتُكَ هٰذَا الزَّخَمَ التَّحَوُّلِيَّ؟ وَكَيْفَ تَتَأَهَّلُ لِلْمُنَافَسَةِ فِي مَشْهَدٍ رَقْمِيٍّ سَرِيعِ التَّحَوُّلِ؟
أوَّلًا: فَهْمُ التَّحَوُّلِ الرَّقْمِيِّ بِعُمْقٍ
التَّحَوُّلُ الرَّقْمِيُّ لَا يَعْنِي فَقَطِ امْتِلَاكَ مَوْقِعٍ إِلِكْتْرُونِيٍّ أَوْ إِطْلَاقَ تَطْبِيقٍ جَوَّالٍ، بَلْ هُوَ عَمَلِيَّةٌ شَامِلَةٌ لِإِعَادَةِ هَيْكَلَةِ طُرُقِ الْعَمَلِ، بِاسْتِخْدَامِ التِّكْنُولُوجْيَا لِخَلْقِ قِيمَةٍ مُضَافَةٍ، وَتَحْقِيقِ كَفَاءَةٍ أَكْبَرَ، وَتَجْرِبَةِ عُمَلَاءَ أَكْثَرَ تَمَيُّزًا.
إِنَّهُ تَغْيِيرٌ ثَقَافِيٌّ وَسُلُوكِيٌّ، يَسْتَدْعِي اسْتِعْدَادًا دَاخِلِيًّا وَاسْتِثْمَارًا ذَكِيًّا فِي الْمَوَارِدِ وَالْكَوَادِرِ.
ثَانِيًا: تَحْدِيثُ الْبِنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ التِّقْنِيَّةِ
لِتَحْقِيقِ تَحَوُّلٍ رَقْمِيٍّ فَعَّالٍ، يَنْبَغِي أَنْ تَبْدَأَ الْمُنْشَأَةُ بِتَحْدِيثِ بِنْيَتِهَا التَّحْتِيَّةِ الرَّقْمِيَّةِ، مِنْ خِلَالِ اعْتِمَادِ أَنْظِمَةٍ سَحَابِيَّةٍ مَرِنَةٍ، وَتَطْبِيقَاتٍ ذَكِيَّةٍ لِإِدَارَةِ الْعَمَلِيَّاتِ، وَشَبَكَاتٍ آمِنَةٍ تَدْعَمُ التَّوَسُّعَ وَالنُّمُوَّ.
كَمَا أَنَّ اسْتِخْدَامَ الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ، وَتَحْلِيلَاتِ الْبَيَانَاتِ، وَتِقْنِيَّاتِ إِنْتِرْنِتِ الْأَشْيَاءِ (IoT) بَاتَ أَمْرًا جَوْهَرِيًّا، لَا رَفَاهِيَّةً تِقْنِيَّةً.
ثَالِثًا: تَطْوِيرُ تَجْرِبَةِ الْعَمِيلِ الرَّقْمِيِّ
الْعَمِيلُ السُّعُودِيُّ الْيَوْمَ أَكْثَرُ وَعْيًا وَتَطَلُّبًا، وَيُقَارِنُ تَجَارِبَهُ الرَّقْمِيَّةَ بِأَفْضَلِ الْمَعَايِيرِ الْعَالَمِيَّةِ. لِذَا، فَإِنَّ تَحْسِينَ تَجْرِبَةِ الْمُسْتَخْدِمِ (UX) فِي كُلِّ نُقْطَةِ تَوَاصُلٍ رَقْمِيَّةٍ أَصْبَحَ وَاجِبًا لَا خِيَارًا.
سَوَاءٌ كَانَ ذٰلِكَ مِنْ خِلَالِ تَطْبِيقَاتٍ سَهْلَةِ الِاسْتِخْدَامِ، أَوْ مَوَاقِعَ سَرِيعَةِ الِاسْتِجَابَةِ، أَوْ خَدَمَاتٍ ذَاتِيَّةٍ مُتَاحَةٍ عَلَى مَدَارِ السَّاعَةِ، يَجِبُ أَنْ تَكُونَ التَّجْرِبَةُ الرَّقْمِيَّةُ سَلِسَةً، وَشَخْصِيَّةً، وَآمِنَةً.
رَابِعًا: تَدْرِيبُ وَتَمْكِينُ الْكَوَادِرِ
لَا يُمْكِنُ لِلتَّحَوُّلِ الرَّقْمِيِّ أَنْ يَنْجَحَ دُونَ كَوَادِرَ بَشَرِيَّةٍ مُؤَهَّلَةٍ، فَالْمُوَظَّفُ هُوَ الْمُحَرِّكُ الْحَقِيقِيُّ لِهٰذَا التَّحَوُّلِ.
يَنْبَغِي عَلَى الشَّرِكَاتِ أَنْ تَسْتَثْمِرَ فِي تَطْوِيرِ مَهَارَاتِ مُوَظَّفِيهَا فِي مَجَالَاتِ التِّقْنِيَةِ، وَالْأَمْنِ السَّيْبَرَانِيِّ، وَإِدَارَةِ الْبَيَانَاتِ، وَالتَّسْوِيقِ الرَّقْمِيِّ، وَتَخْلُقَ بِيئَةً تُعَزِّزُ رُوحَ الِابْتِكَارِ وَالتَّعَلُّمِ الْمُسْتَمِرِّ.
خَامِسًا: تَعْزِيزُ ثَقَافَةِ الِابْتِكَارِ وَالتَّجْرِيبِ
التَّحَوُّلُ الرَّقْمِيُّ لَا يَتَحَقَّقُ عَبْرَ خُطُوَاتٍ جَامِدَةٍ، بَلْ يَتَطَلَّبُ عَقْلِيَّةً مُتَفَتِّحَةً نَحْوَ التَّجْرِيبِ، وَتَقَبُّلِ التَّغْيِيرِ، وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْفَشَلِ الْمَحْسُوبِ.
الشَّرِكَاتُ الرَّائِدَةُ هِيَ الَّتِي تَخْلُقُ مِنَاخًا يَسْمَحُ بِاخْتِبَارِ الْأَفْكَارِ، وَاسْتِكْشَافِ نَمَاذِجِ أَعْمَالٍ جَدِيدَةٍ، وَتَبَنِّي التِّقْنِيَّاتِ النَّاشِئَةِ قَبْلَ غَيْرِهَا.
سَادِسًا: الِالْتِزَامُ بِمَعَايِيرِ الْأَمْنِ السَّيْبَرَانِيِّ
مَعَ زِيَادَةِ الِاعْتِمَادِ عَلَى التِّقْنِيَّاتِ الرَّقْمِيَّةِ، تَتَزَايَدُ التَّهْدِيدَاتُ الإِلِكْتْرُونِيَّةُ. لِذَا، فَإِنَّ الْأَمْنَ السَّيْبَرَانِيَّ لَمْ يَعُدْ مُجَرَّدَ إِجْرَاءٍ تِقْنِيٍّ، بَلْ أَصْبَحَ جُزْءًا مِنَ الْهُوِيَّةِ الْمُؤَسَّسِيَّةِ.
يَجِبُ أَنْ تَتَبَنَّى الشَّرِكَاتُ حُلُولَ حِمَايَةٍ مُتَكَامِلَةٍ، وَسِيَاسَاتٍ مَرِنَةٍ، وَتَدْرِيبَاتٍ دَوْرِيَّةً لِضَمَانِ سَلَامَةِ الْبَيَانَاتِ وَخُصُوصِيَّةِ الْعُمَلَاءِ.
سَابِعًا: مُوَاكَبَةُ التَّشْرِيعَاتِ وَالتَّنْظِيمَاتِ الرَّقْمِيَّةِ
الحُكُومَةُ السُّعُودِيَّةُ قَطَعَتْ شُوطًا كَبِيرًا فِي تَنْظِيمِ الْبِيئَةِ الرَّقْمِيَّةِ مِنْ خِلَالِ أَنْظِمَةٍ مِثْلَ التِّجَارَةِ الإِلِكْتْرُونِيَّةِ، وَحِمَايَةِ الْبَيَانَاتِ الشَّخْصِيَّةِ، وَحَوْكَمَةِ التِّكْنُولُوجْيَا.
يَنْبَغِي عَلَى الشَّرِكَاتِ أَنْ تُوَاكِبَ هَذِهِ التَّطَوُّرَاتِ، وَتَلْتَزِمَ بِهَا لِضَمَانِ الِامْتِثَالِ الْقَانُونِيِّ، وَتَجَنُّبِ الْعُقُوبَاتِ، وَبِنَاءِ ثِقَةِ الْجُمُهُورِ.
خِتَامًا ٱلْمُسْتَقْبَلُ يَبْدَأُ الْآنَ
إِنَّ التَّحَوُّلَ الرَّقْمِيَّ فِي السُّعُودِيَّةِ لَمْ يَعُدْ رُؤْيَةً مُسْتَقْبَلِيَّةً، بَلْ هُوَ وَاقِعٌ مَلْمُوسٌ، يَفْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَرْغَبُ فِي الِاسْتِمْرَارِيَّةِ وَالنَّجَاحِ.
شَرِكَتُكَ الْيَوْمَ أَمَامَ مُفْتَرَقِ طُرُقٍ: إِمَّا أَنْ تَنْخَرِطَ فِي هٰذَا التَّحَوُّلِ بِثِقَةٍ وَوَعْيٍ، أَوْ أَنْ تَتَخَلَّفَ عَنْ رَكْبِ التَّقَدُّمِ.
اِبْدَأْ الْآنَ. قَيِّمْ مَوْقِعَكَ الرَّقْمِيَّ، وَرَاجِعْ اسْتِرَاتِيجِيَّتَكَ، وَاسْتَثْمِرْ فِي التِّقْنِيَّاتِ وَالْمَهَارَاتِ. فَٱلْمُسْتَقْبَلُ لَا يَنتَظِرُ ٱلْمُتَرَدِّدِينَ.
وَفِي وَطَنٍ يُرَاهِنُ عَلَى التِّقْنِيَّةِ، وَيَسْتَثْمِرُ فِي الْعُقُولِ، سَتَكُونُ الرِّيَادَةُ لِمَنْ يَسْتَثْمِرُ فِي التَّحَوُّلِ الرَّقْمِيِّ بِذَكَاءٍ وَرُؤْيَةٍ اِسْتِرَاتِيجِيَّةٍ.